تحليل كيف يتم إنشاء وهندسة الحركات السياسية

تحليل كيف يتم إنشاء وهندسة الحركات السياسية

قائمة المحتوى

نشأت الحركات الإسلامية بمسارات مختلفة، حيث بدأت الحركة السلفية الجهادية خلال ضعف الدولة العثمانية في محاولة لدعم الخلافة، بينما تأسست جماعة الإخوان المسلمين بعد الحرب العالمية الأولى كحركة سياسية ذات أهداف تنظيمية لدعم الأنظمة المرتبطة بالمستعمر البريطاني. الإخوان المسلمون نشأوا كتيار ماسوني سياسي يهدف إلى تعزيز المصالح الاقتصادية للدول الاستعمارية مثل بريطانيا، وقد استخدموا التجارة والتعليم كأدوات نفوذ.بينما ركزت الجماعات السلفية على العودة إلى الإسلام في صورته الأكثر صرامة والتأكيد على تطبيق الشريعة بحذافيرها، اعتبرت الإخوان أن المرونة السياسية جزء من استراتيجية البقاء والتوسع.

شهدت المنطقة صراعًا بين القوى الغربية، لا سيما بريطانيا وأمريكا، وبين الحركات الإسلامية، حيث استخدمت القوى الغربية الحركات الإسلامية الجهادية لمحاربة الأنظمة القومية المعادية لها، مثل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. الولايات المتحدة استخدمت التيارات الإسلامية والقومية كأدوات لتحقيق مصالحها، حيث دعمت الحركات القومية ضد النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، ثم دعمت الحركات الجهادية ضد الاتحاد السوفيتي.أتاح هذا الدعم بروز تيارات جهادية كبرى مثل تنظيم القاعدة، الذي نشأ نتيجة استخدام المقاتلين الإسلاميين في أفغانستان، لكنه لاحقًا انقلب ضد الغرب، ما أدى إلى إعلان الحرب على الإرهاب.

يتمثل الفارق الأساسي بين التيارين في كيفية تطبيق الدين والتعامل مع السياسة:

  • السلفيون الجهاديون يعتقدون أن الالتزام الحرفي بالشريعة هو المعيار الأساسي للحكم، ويرون أنهم الأفضل دينيًا بسبب تمسكهم المتشدد بالسنة.
  • الإخوان المسلمون أكثر مرونة ويعتبرون أن الحكم السياسي يجب أن يكون مدروسًا من ناحية اقتصادية وسياسية، ولذلك يستخدمون أساليب دبلوماسية للوصول إلى السلطة.

التيار السلفي يتبنى فكرة فرض السلطة باسم الدين، بينما الإخوان يعتبرون العمل السياسي وسيلة لتحقيق أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية.

عملت القوى الغربية على اختراق الحركات الجهادية من الداخل، حيث قامت بزرع عناصر داخل التنظيمات الإسلامية المتشددة بهدف توجيهها أو تفكيكها.استخدمت الأنظمة الاستبدادية نفس الأسلوب، مثلما فعل النظام السوري، حيث تم تجنيد بعض الجهاديين ليعملوا ضمن المعارضة المزيفة، وبالتالي تم استخدامهم كأدوات استخباراتية. جبهة النصرة مثال على ذلك، حيث تم الضغط عليها للتحول إلى نموذج أقرب إلى الإخوان المسلمين، مما أدى إلى صراعات داخلية بين أعضائها، حيث قبل البعض التغيير، بينما رفض آخرون التنازل عن التشدد السلفي.

مع اشتداد الحرب على الإرهاب، تحالفت الأنظمة القومية والإسلامية الرسمية مع الغرب، مما أدى إلى تصنيف العديد من الجماعات المناهضة للأنظمة كمنظمات إرهابية.خلال الثورات العربية، تم تصنيف الحركات الإسلامية الثورية على أنها إرهابية لأن الأنظمة القومية التي كانت تحكم تحالفت مع الغرب في محاربة الإرهاب.هذا أدى إلى احتواء الثورات عبر تجنيد الحركات الجهادية المزيفة، التي تم استخدامها للقضاء على الثورات من الداخل.

بعد اندلاع الثورات العربية، تم استخدام الجماعات الجهادية لاختراق الحركات الثورية، وتم تحويل بعضها إلى أدوات استخباراتية للقضاء على التيارات الأصلية.مثلما حدث في سوريا، حيث تم زرع جماعات جهادية مزيفة بهدف تصفية الفصائل الإسلامية الحقيقية، مما أدى إلى انهيار المقاومة الإسلامية لصالح الأنظمة الاستبدادية.تم توظيف الحركات السلفية الجهادية كأداة لمحاربة الثورات، ثم تم التخلص منها تدريجيًا عبر عمليات تصفية أو دمج داخل تيارات إسلامية سياسية أكثر مرونة مثل الإخوان المسلمين.

الهندسة السياسية للحركات المجتمعية هو علم خاص تستخدمه أجهزة المخابرات الكبرى مثل MI6 البريطانية والمخابرات الروسية، حيث يتم توجيه الحركات السياسية استنادًا إلى:

  • التحكم بالمصالح الاقتصادية والتمويل.
  • زرع الفصائل داخل الأحزاب والتيارات السياسية.
  • التلاعب بالتحالفات لضمان السيطرة المستمرة على المناطق الجغرافية الحساسة.

هذه الهندسة ليست جزءًا من مناهج أكاديمية بل هي خبرة استخباراتية متراكمة تهدف إلى إدارة الديناميكيات السياسية بما يخدم مصالح الدول الكبرى.

سياسات الغرب تجاه الحركات الإسلامية شهدت تحولات كبيرة على مدار العقود الماضية، حيث تغيرت من الدعم والتوظيف إلى المواجهة المباشرة، ثم لاحقًا إلى الاحتواء والتلاعب الداخلي. يمكن تقسيم هذه التحولات إلى عدة مراحل رئيسية:

1️⃣ مرحلة التوظيف (1950s – 1980s)

  • خلال الحرب الباردة، استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا الحركات الإسلامية لمواجهة النفوذ السوفيتي.
  • في أفغانستان، قامت وكالة المخابرات المركزية (CIA) بتمويل وتسليح المجاهدين لمحاربة الاحتلال السوفيتي في الثمانينيات، مما أدى إلى صعود الحركات الجهادية العالمية مثل القاعدة.
  • دعمت بريطانيا جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية، حيث تم اعتبارهم حليفًا ضد التيارات القومية المدعومة من الاتحاد السوفيتي، مثل الناصرية في مصر وحزب البعث في سوريا والعراق.

2️⃣ مرحلة التصادم (1990s – 2001)

  • بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لم تعد الحركات الجهادية بحاجة إلى دعم أمريكي، بل تحولت إلى خطر عالمي، خصوصًا مع تصاعد هجمات القاعدة.
  • في التسعينيات، بدأت الحركات الجهادية توجيه ضرباتها نحو الغرب، كما حدث في هجمات السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا عام 1998 وتفجير المدمرة الأمريكية “كول” عام 2000.
  • هجمات 11 سبتمبر 2001 مثلت نقطة تحول كبيرة، حيث أعلنت الولايات المتحدة “الحرب على الإرهاب”، وبدأت في استهداف الجماعات الجهادية التي دعمتها سابقًا.

3️⃣ مرحلة الحرب المباشرة (2001 – 2010)

  • بعد 11 سبتمبر، شنت الولايات المتحدة حربين كبيرتين في أفغانستان (2001) والعراق (2003)، واستهدفت القاعدة وطالبان، لكنها خلقت فراغًا سياسيًا أدى إلى صعود جماعات أكثر تطرفًا.
  • استغلت إيران الوضع وقامت بدعم مليشيات شيعية لمواجهة النفوذ الأمريكي في العراق، مما أدى إلى اشتداد الصراع الطائفي.
  • أدى غزو العراق إلى ولادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق (الذي تحول لاحقًا إلى داعش)، الذي أصبح أقوى بعد الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011.

4️⃣ مرحلة الاحتواء والتلاعب (2011 – اليوم)

  • خلال الربيع العربي (2011)، قامت القوى الغربية بدعم بعض الحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في مصر وتونس، ولكنها سرعان ما غيرت موقفها عندما واجهت هذه الجماعات رفضًا شعبيًا وانقلابات عسكرية.
  • بعد ظهور داعش (2014)، عاد التركيز على محاربة الإرهاب، لكن هذه المرة عبر توظيف الحركات الإسلامية المعتدلة لإضعاف الجماعات المتطرفة.
  • في سوريا، دعمت الولايات المتحدة وبريطانيا بعض الفصائل الجهادية المسلحة ضد نظام الأسد، لكنها لاحقًا قامت بالتخلي عنها عندما بدأت هذه الفصائل في التعاون مع القاعدة.

لا تزال الاستخبارات الغربية تلعب دورًا في إعادة تشكيل الحركات الإسلامية، من خلال دعم بعض الفصائل واختراق أخرى، مما يجعل المشهد السياسي الإسلامي متغيرًا باستمرار.

الغرب لم يكن لديه موقف ثابت من الحركات الإسلامية، بل استخدمها عندما كانت تخدم مصالحه، ثم حاربها عندما أصبحت تهديدًا، ثم حاول احتواءها والتلاعب بها عبر تحالفات داخلية.

الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي استخدمت مجموعة من الاستراتيجيات الذكية لاحتواء الحركات الإسلامية من الداخل، مستغلة الانقسامات الأيديولوجية، والتلاعب بالعناصر القيادية، واستخدام القوة الناعمة والخشنة للقضاء عليها تدريجياً. يمكن تلخيص هذه الأساليب في النقاط التالية:

1️⃣ التغلغل داخل الحركات الإسلامية واختراقها

  • كثير من الأنظمة زرعت عملاء داخل الحركات الإسلامية، سواء عبر الأجهزة الأمنية أو عبر شخصيات محسوبة على النظام تم تقديمها كقيادات موثوقة داخل الجماعات الإسلامية.
  • بعض الأنظمة قدمت دعمًا سريًا لبعض الجماعات الإسلامية في مراحل معينة، ليس لأنها تؤمن بها، بل لإضعاف جماعات أخرى أكثر خطورة.
  • في سوريا، كان النظام السوري يسمح لبعض الإسلاميين بالتحرك بحرية في الداخل بينما كان يقمع معارضين آخرين بشدة، مما أدى إلى خلق معارضة إسلامية غير متماسكة وسهلة الاختراق.

2️⃣ توظيف الحركات الإسلامية كأداة للقضاء على المعارضة غير الإسلامية

  • في العديد من الدول، استُخدمت الجماعات الإسلامية كوسيلة لقمع المعارضين غير الإسلاميين.
  • النظام المصري، على سبيل المثال، في فترات معينة سمح للإخوان المسلمين بالعمل السياسي كبديل عن الحركات اليسارية والقومية، ولكن بمجرد انتهاء الحاجة إليهم، تم قمعهم بعنف.
  • في الجزائر، خلال العشرية السوداء (1990s)، تم استخدام الجماعات الجهادية لتبرير العنف ضد المعارضة وإبقاء السلطة في يد الجيش.

3️⃣ صناعة تيارات إسلامية معتدلة مزيفة

  • بعض الأنظمة قامت بإنشاء حركات إسلامية “معتدلة” مدعومة من الدولة لمنافسة الجماعات الإسلامية الحقيقية.
  • يتم تمويل هذه الجماعات وإعطاؤها بعض الحرية، لكنها تبقى تحت سيطرة الأجهزة الأمنية، مما يجعلها أداة يمكن التحكم بها بسهولة.
  • هذه الاستراتيجية أدت إلى تشويه صورة الإسلاميين الحقيقيين وجعلت من الصعب على الجماهير الوثوق بأي مشروع إسلامي سياسي.

4️⃣ ضرب الحركات الإسلامية ببعضها البعض

  • بعض الأنظمة شجعت التيارات الإسلامية المتشددة ضد التيارات الإسلامية السياسية (مثل الإخوان المسلمين) بهدف تقسيمهم.
  • تم دعم الحركات السلفية العلمية (غير الجهادية) في بعض الدول لمواجهة الإخوان المسلمين، مما أدى إلى تشرذم الحركات الإسلامية وفقدان قوتها الجماعية.
  • في سوريا، كانت هناك محاولات مستمرة لإشعال الصراع بين التيارات السلفية الجهادية وجماعة الإخوان، مما جعل المعارضة الإسلامية ضعيفة ومقسمة.

5️⃣ تصنيف الحركات الإسلامية كإرهابية لتبرير قمعها

  • بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أصبح من السهل على الأنظمة الاستبدادية شيطنة الحركات الإسلامية وتصنيفها كإرهابية لكسب دعم الغرب.
  • حتى الجماعات غير الجهادية، مثل الإخوان المسلمين، تم تصنيفها كجماعات متطرفة في بعض الدول، مما منح الحكومات ذريعة لحظرها وسجن أعضائها.
  • هذا الأسلوب استخدمته الأنظمة العربية خلال الثورات العربية (2011)، حيث تم تصنيف الحركات الإسلامية التي قادت الثورات على أنها “إرهابية”، رغم أنها كانت جزءًا من المشهد السياسي السلمي.

6️⃣ تقديم تنازلات شكلية ثم الانقلاب عليها

  • بعض الأنظمة تسمح للحركات الإسلامية بالمشاركة في الانتخابات أو العمل السياسي لفترة قصيرة، ثم تنقلب عليها بعد أن تستنزفها.
  • في مصر، فاز الإخوان المسلمون بالرئاسة عام 2012، لكن بعد عام واحد فقط، تم الإطاحة بهم في انقلاب عسكري، وتم اعتقال قياداتهم وإبعادهم عن المشهد السياسي تمامًا.
  • في تونس، تم إعطاء حركة النهضة فرصة لحكم البلاد بعد الثورة، لكن تم محاصرتها سياسياً حتى أصبحت ضعيفة للغاية، ثم تم الانقلاب عليها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

WhatsApp
Copy link
URL has been copied successfully!