مقدمة
المسجد الأقصى هو أحد أهم المقدسات الإسلامية، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في سياق الإسراء والمعراج. لكن هناك جدل واسع حول تحديد معناه الحقيقي وموقعه الجغرافي، وهو جدل يمتد منذ قرون. في هذا المقال، نستعرض التأصيل الشرعي والتاريخي للمسجد الأقصى، ونناقش الالتباس الذي استغله الاحتلال الصهيوني في محاولته لفرض واقع جديد على الحرم القدسي.
المسجد الأقصى في القرآن الكريم
يذكر القرآن الكريم المسجد الأقصى في قوله تعالى:
“سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله” (الإسراء: 1).
يُفهم من هذا النص أن المسجد الأقصى هو مكان مقدس مبارك، لكن لم يُحدد شكله أو معالمه في النصوص الشرعية، مما أدى لاحقًا إلى تعدد التفسيرات.
الالتباس التاريخي حول المسجد الأقصى
هناك خلط تاريخي بين مفهوم المسجد الأقصى وبين معالم أخرى داخل الحرم القدسي. بعض المسلمين يعتقدون أن المسجد الأقصى هو فقط المبنى المعروف باسم “الجامع القبلي” الواقع في جنوب الحرم، بينما يراه آخرون على أنه يشمل كل ما داخل السور، بما في ذلك قبة الصخرة والمساحات المحيطة بها.
هذا الالتباس استمر منذ قرون، وذكره القاضي مجير الدين الحنبلي في القرن التاسع الهجري، حيث أوضح أن كثيرًا من المسلمين عندما يذكرون المسجد الأقصى، يتبادر إلى أذهانهم قبة الصخرة الذهبية، وهو تصور غير دقيق تاريخيًا وفق بعض الباحثين.
محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتشويه الحقائق
منذ احتلال القدس عام 1967، قامت إسرائيل بمحاولات متكررة لفصل قبة الصخرة عن باقي الحرم القدسي، وذلك من خلال ادعاءات تاريخية ودينية تزعم وجود “هيكل سليمان” تحت المسجد الأقصى. هذا الادعاء دفع الإسرائيليين إلى تنفيذ حفريات متكررة تحت المسجد الأقصى في محاولة لإثبات هذا الادعاء، ولكن دون أي أدلة أثرية تدعمه.
إضافة إلى ذلك، قام شلومو غورين، الحاخام العسكري للجيش الإسرائيلي عام 1967، بالصلاة قرب قبة الصخرة وأعلن أن المسجد الأقصى يخص المسلمين، لكنه ليس المكان الذي يطالب به اليهود، مما كان خطوة أولى في جهود تقسيم الحرم القدسي.
التأصيل الشرعي لموقع المسجد الأقصى
وفقًا للروايات الإسلامية والفتاوى، فإن المسجد الأقصى ليس مبنى واحدًا فقط، بل هو كل ما يحيط به السور المعروف بالحرم القدسي الشريف، بما في ذلك الجامع القبلي، قبة الصخرة، والمصليات الأخرى.
هذا التفسير هو ما تؤكده بعض الفتاوى التي تستند إلى كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث لم يكن هناك بناء محدد يسمى المسجد الأقصى قبل الإسلام، وإنما هو اسم أطلقه الله سبحانه وتعالى على هذه البقعة المقدسة.
وصف المسجد الأقصى في العصر النبوي
عند بعثة النبي محمد ﷺ، لم يكن المسجد الأقصى كما نعرفه اليوم. فقد كان عبارة عن ساحة مستطيلة محاطة بأسوار، وكانت الصخرة المشرفة موجودة في منتصفه. لم يكن هناك جوامع أو قباب أو أبنية، بل كان المكان عبارة عن أرض مفتوحة خالية من الإنشاءات.
العلامات التي وصف بها النبي ﷺ المسجد الأقصى
النبي ﷺ وصف المسجد الأقصى بمجموعة من العلامات التي جعلته مميزًا ومعروفًا للمسلمين عبر العصور:
- السور والأبواب: أوضح النبي أن المسجد محاط بأسوار وله عدة أبواب، مما جعله من أبرز معالم المدينة المقدسة.
- قربه من جبل الزيتون: في أحد الأحاديث، وُصف المسجد الأقصى بأنه قريب من الجبل، وهو جبل الزيتون الواقع شرق الحرم.
- الرؤية المعجزة: عندما سألته قريش عن وصف المسجد الأقصى بعد حادثة الإسراء والمعراج، أراه جبريل عليه السلام المسجد في جناحه، فأصبح النبي ﷺ يصف معالمه بدقة وكأنه يراه.
التطورات المعمارية للمسجد الأقصى عبر العصور
بعد الفتح الإسلامي، شهد المسجد الأقصى عدة تغييرات معمارية بارزة:
- في عهد الأمويين: تم بناء المصلى الأقصى عام 73هـ، بينما بنيت قبة الصخرة عام 72هـ.
- في العصر العباسي والفاطمي: خضع المسجد لعدة ترميمات وتطويرات معمارية.
- في العهد العثماني: استمرت أعمال الترميم، وتم إضافة العديد من الزخارف والأروقة.
القياسات الدقيقة للمسجد الأقصى
وفقًا لما ورد في المصادر التاريخية، فإن المسجد الأقصى يمتلك قياسات دقيقة:
- الضلع الغربي: 490 متراً
- الضلع الشرقي: 474 متراً
- الضلع الجنوبي: 283 متراً
- الضلع الشمالي: 301 متراً
أما المصلى القِبلي داخل المسجد الأقصى، فمساحته تبلغ 80 مترًا × 55 مترًا، وقد بني في عهد الوليد بن عبد الملك.
تحقيق رحلة الإسراء والمعراج
دخول النبي ﷺ المسجد الأقصى
وفقًا للروايات، دخل النبي ﷺ المسجد الأقصى من باب يُسمى “باب النبي”، الذي عُرف لاحقًا باسم باب المغاربة. عند دخوله، قام بربط دابته، ثم توجه إلى مقدمة المسجد، حيث صلى ركعتين تطوعًا.
تفاصيل الصلاة في المسجد الأقصى
النبي ﷺ أدى صلاتين داخل المسجد الأقصى:
- الصلاة الأولى: صلى ركعتين قبل العروج، حيث توجه إلى مقدمة المسجد ثم إلى منطقة الصخرة.
- الصلاة الثانية: بعد العروج، عاد وصلى بالأنبياء في المسجد الأقصى، وكانت هذه أول صلاة فريضة في الإسلام بعد فرضها.
قبة المعراج
في موقع عروج النبي ﷺ، تم بناء قبة المعراج في القرن السادس الهجري، حيث تقع غرب قبة الصخرة. هذا الموقع يحمل رمزية كبيرة في التراث الإسلامي.
أهمية بيت المقدس في الإسلام
المسجد الأقصى ليس فقط موقعًا للعبادة، بل له قدسية تمتد إلى القدس بكاملها، كما ورد في الحديث النبوي أن الله بارك بيت المقدس وما حوله.
المخططات الصهيونية تجاه المسجد الأقصى
1. الادعاءات اليهودية حول الهيكل
يدّعي اليهود أن المسجد الأقصى يقع فوق “هيكل سليمان”، وأن داوود عليه السلام قد اشترى هذه البقعة. يعتقدون أن الصخرة الموجودة داخل الحرم القدسي هي “قدس الأقداس” لحجر الأساس الذي أقيم عليه الهيكل المزعوم. ومع ذلك، لا يوجد أي دليل أثري يؤكد صحة هذه الادعاءات.
2. المحاولات الصهيونية للسيطرة على الأقصى
- إقامة الهياكل والكنس: تحاول المنظمات الصهيونية بناء معابد يهودية بالقرب من قبة الصخرة.
- الحفريات تحت المسجد: يتم تنفيذ حفريات مكثفة أسفل المسجد الأقصى بحثًا عن بقايا الهيكل، ما يهدد بانهيار أجزاء من المسجد.
- التقسيم الزماني والمكاني: يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تقسيم المسجد زمانيًا ومكانيًا، كما حدث في الحرم الإبراهيمي بالخليل.
3. الانتفاضات والمقاومة الفلسطينية
في عام 2000، حاول الاحتلال الإسرائيلي وضع حجر الأساس لإقامة هيكل يهودي بجوار قبة الصخرة، وكان رئيس بلدية القدس حينها “إيهود أولمرت” هو من أشرف على المشروع. إلا أن انتفاضة الأقصى أعاقت تنفيذ هذا المخطط.
الحفريات الصهيونية وخطورتها
الحفريات المستمرة تحت المسجد الأقصى لها أهداف خطيرة، من أبرزها:
- محاولة إيجاد دليل على وجود الهيكل: رغم الجهود الكبيرة، لم يتم العثور على أي آثار تعود للهيكل المزعوم.
- التسبب بانهيار المسجد: تؤدي الحفريات إلى زعزعة أساسات المسجد، ما قد يؤدي إلى انهيار بعض أجزائه.
- طمس الهوية الإسلامية: تسعى إسرائيل لتغيير معالم المسجد الأقصى وتحويله إلى موقع أثري يهودي.