الدولة العلوية: النشأة والتاريخ

الدولة العلوية: النشأة والتاريخ

مقدمة

بعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى، أعادت القوى الاستعمارية رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. في هذا السياق، قامت فرنسا بإنشاء دولة العلويين في عام 1920 كجزء من استراتيجيتها لتقسيم سوريا إلى كيانات طائفية متعددة بهدف تسهيل السيطرة عليها. لكن هذه الدولة لم تستمر طويلًا، إذ انحلت واندمجت مجددًا في سوريا بعد الاستقلال.

تأسيس الدولة العلوية

مع احتلال فرنسا لسوريا عام 1920، وضعت خططًا لتقسيمها إلى عدة دول طائفية، وكان من بينها دولة العلويين التي أُعلنت رسميًا بمرسوم من الجنرال الفرنسي هنري غورو. امتدت هذه الدولة على طول الساحل السوري، وشملت مناطق اللاذقية وطرطوس وأجزاء من شمال لبنان.

التكوين السكاني

وفقًا لإحصاء عام 1923، كانت التركيبة السكانية لدولة العلويين متنوعة:

  • 101 ألف علوي
  • 94 ألف مسلم سني
  • 34 ألف مسيحي
  • 5000 إسماعيلي

ورغم أن الدولة حملت اسم العلويين، إلا أن النفوذ الفعلي كان بيد الفرنسيين، الذين دعموا المسيحيين لتولي المناصب الإدارية العليا، مما أثار مخاوف العلويين من أن يكونوا مهمشين في دولتهم الوليدة.

سياسة فرنسا في دعم الأقليات

اعتمدت فرنسا سياسة دعم الأقليات لإضعاف الأغلبية السنية، وقامت بتجنيد العلويين ضمن “جيش الشرق”، وهو الجيش الذي أنشأته في سوريا لتأمين سيطرتها. وقد لعب العلويون لاحقًا دورًا رئيسيًا في الجيش السوري، مما ساهم في تمهيد الطريق لصعودهم السياسي.

التحولات السياسية

في البداية، طالب بعض العلويين باستقلال دولتهم، ووقعوا عريضة عام 1933 تطالب بذلك. لكن مع إدراكهم أن الاستقلال لن يكون في صالحهم، عادوا وغيروا موقفهم ووقعوا عريضة جديدة عام 1936 تطالب بإعادة الاندماج مع سوريا.

دور العلويين في الجيش السوري

بعد الاستقلال عام 1946، أصبحت الحكومات السورية المتعاقبة تستعين بالنخب العلوية، لكنها لم تكن تمنحهم نفوذًا سياسيًا حقيقيًا. دفع هذا الواقع العديد من العلويين إلى التركيز على الانضمام إلى الجيش السوري بدلاً من العمل السياسي المباشر. من هنا بدأ صعود شخصيات علوية بارزة مثل صلاح جديد وحافظ الأسد، الذين أصبحوا مؤثرين في المؤسسة العسكرية، مما مهد الطريق لانقلاب حزب البعث عام 1963.

صعود حافظ الأسد

كان انقلاب حزب البعث عام 1963 نقطة تحول في تاريخ سوريا، إذ مكّن العلويين من السيطرة على مؤسسات الدولة تدريجيًا. وفي عام 1970، نفذ حافظ الأسد انقلابًا داخليًا في الحزب، وأصبح رئيسًا لسوريا، ما جعل الطائفة العلوية صاحبة النفوذ الأكبر في البلاد.

لماذا ركز العلويون على الجيش بدلاً من السياسة في سوريا؟

1️⃣ دعم فرنسا للأقليات في الجيش

  • بعد الاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1920، اعتمدت فرنسا على سياسة فرق تسد، حيث دعمت الأقليات لضمان ولائها في مواجهة الأغلبية السنية.
  • أنشأت فرنسا “جيش الشرق”، وكان معظم المجندين فيه من الأقليات، خاصة العلويين، حيث رأت فرنسا أنهم أكثر استعدادًا للتعاون معها مقابل الحصول على النفوذ العسكري.
  • ساهم ذلك في خلق طبقة عسكرية علوية لعبت لاحقًا دورًا محوريًا في الأحداث السياسية السورية.

2️⃣ التهميش السياسي للعلويين

لم يكن أمام العلويين فرصة كبيرة للاندماج في الطبقة السياسية الحاكمة، مما دفعهم للبحث عن بدائل أخرى لاكتساب القوة، وكان الجيش هو الخيار الأمثل.

رغم أن العلويين حصلوا على بعض التمثيل في البرلمان السوري خلال فترة الانتداب الفرنسي، إلا أن السلطة الحقيقية كانت بيد النخب السنية والمسيحية.

3️⃣ الجيش كممر للصعود الاجتماعي

  • كانت أغلب العائلات العلوية في سوريا تعاني من الفقر والحرمان الاجتماعي، بينما كانت السياسة حكرًا على النخب الثرية.
  • وفر الجيش فرصة متاحة للعلويين للارتقاء اجتماعيًا واقتصاديًا، حيث أصبح الانضمام إلى الجيش وسيلة للهروب من التهميش وتحقيق النفوذ.

4️⃣ النفوذ العسكري التراكمي

  • بعد الاستقلال عام 1946، ورثت سوريا جيش الشرق الفرنسي، مما أعطى العلويين ميزة على باقي الطوائف.
  • بحلول الخمسينيات والستينيات، كان هناك عدد كبير من الضباط العلويين في الجيش، مما مهد الطريق لانقلابات عسكرية متكررة ساعدتهم على تعزيز موقعهم.

5️⃣ انقلاب 1963 وصعود حزب البعث

  • كان حزب البعث وسيلة العلويين للسيطرة على السياسة، ولكن ليس عبر الانتخابات، بل عبر الجيش.
  • في انقلاب 1963، قام صلاح جديد ومجموعة من الضباط العلويين بالسيطرة على الحكم.
  • في 1970، أكمل حافظ الأسد سيطرته على سوريا من خلال انقلاب داخلي، ليصبح أول رئيس علوي للبلاد.

في الختام

تمثل تجربة دولة العلويين نموذجًا لما كانت عليه سياسات القوى الاستعمارية في الشرق الأوسط، حيث استخدمت الطوائف والأقليات كأدوات للسيطرة. وبينما لم تستمر الدولة العلوية طويلًا، فإن العلويين وجدوا طريقًا آخر لتعزيز نفوذهم في سوريا، من خلال المؤسسة العسكرية، ما مهد الطريق لصعودهم السياسي لاحقًا.

📊 الرؤى المستندة إلى الأرقام

1920: تأسيس دولة العلويين بقرار فرنسي.

1923: تعداد سكان دولة العلويين بلغ 101 ألف علوي، 94 ألف سني، 34 ألف مسيحي، و5000 إسماعيلي.

1933: مطالبات العلويين بالاستقلال.

1936: تغير موقف العلويين ودعوتهم للوحدة مع سوريا.

1946: استقلال سوريا رسميًا وإنهاء الحكم الفرنسي.

1963: انقلاب حزب البعث وصعود العلويين في الجيش حتى وصول حافظ الأسد للسلطة.

الملخص

📜 تأسيس دولة العلويين: بعد الحرب العالمية الأولى، قامت فرنسا بإنشاء عدة دول طائفية في سوريا، ومنها دولة العلويين التي أُسست عام 1920 بقيادة الجنرال الفرنسي هنري غورو.

📍 حدود الدولة: امتدت الدولة عبر اللاذقية، طرطوس، وسنجق طرابلس شمال لبنان، مع استثناء بعض المناطق العلوية، وكان الهدف تقسيم سوريا طائفيًا.

🔄 تغيير الهوية الطائفية: كان أول استخدام رسمي لمصطلح “علوي” في سوريا عندما أدخلته فرنسا، حيث فرقت بين “المحمديين” (السنة) و”العلويين” (أتباع الإمام علي).📊 التركيبة السكانية: بلغ عدد السكان في دولة العلويين وفق إحصاء 1923:

  • 101 ألف علوي
  • 94 ألف مسلم سني
  • 34 ألف مسيحي
  • 5000 إسماعيلي

⚖️ النفوذ الفرنسي والمسيحي: رغم أن الدولة حملت اسم العلويين، فإن السيطرة الفعلية كانت للمسيحيين المدعومين من فرنسا، مما أدى لاحقًا إلى رفض العلويين للتقسيم.

🛡️ فرنسا والأقليات: دعمت فرنسا الأقليات وجندتهم في “جيش الشرق” الذي أنشأته ليكون أداة لمواجهة الأغلبية السنية.

🗳️ مطالبات بالاستقلال ثم الوحدة: رغم أن بعض العلويين طالبوا باستقلال دولتهم عن سوريا عام 1933، إلا أنهم عادوا لاحقًا وطالبوا بالوحدة عام 1936 بعدما أدركوا أنهم سيكونون مهمشين.

🏛️ دور حزب البعث: صعدت شخصيات علوية مثل زكي الأرسوزي داخل حزب البعث، مما مهد لاحقًا لوصول حافظ الأسد إلى الحكم بعد انقلاب 1963.

🔄 الجيش كطريق للسلطة: ركز العلويون على النفوذ داخل الجيش السوري بدلاً من السياسة، وهو ما ساعد في تمكين حافظ الأسد لاحقًا من السيطرة على البلاد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

WhatsApp
Copy link
URL has been copied successfully!